Prof. Dr. Hasan Kamil Yılmaz

AZİZ MAHMUD HÜDAYİ / ARAPÇA TEBLİĞ

مؤسس الطريقة الجلوتية
عزيز محمود الهدائي مدرسا ومرشدا
القسم الأول: حياته وشخصيته ومؤلفاته
اسمه الكامل: محمود بن فضل الله بن محمود، وعزيز صفته، والهدائي مخلصه في أشعاره. ونسبته أولا القوجحصاري، لأنّه ولد في قوجحصار في نواحي أنقرة سنة 948 هـ/ 1541 م في عهد السلطان سليمان بن سليم الأوّل، نسبته ثانياً السيورى حصارى لأنّه أكمل دراسته الأولى في بلده الثاني سيورى حصار في نواحي أسكي شهر. وسافر إلى استانبول طلبا للعلم، والتحق بمدرسة كوجك آياصوفيا هناك، وصار معيدا لأستاذه ناظرزاده رمضان أفندي بعدما أكمل دراسته. واستمر بصحبة نور الدين زاده مصطفى مصلح الدين مؤسس الطريقة الجلوتية
عزيز محمود الهدائي مدرسا ومرشدا
حسن كامل ييلماز
القسم الأول: حياته وشخصيته ومؤلفاته
اسمه الكامل: محمود بن فضل الله بن محمود، وعزيز صفته، والهدائي مخلصه في أشعاره. ونسبته أولا القوجحصاري، لأنّه ولد في قوجحصار في نواحي أنقرة سنة 948 هـ/ 1541 م في عهد السلطان سليمان بن سليم الأوّل، نسبته ثانياً السيورى حصارى لأنّه أكمل دراسته الأولى في بلده الثاني سيورى حصار في نواحي أسكي شهر. وسافر إلى استانبول طلبا للعلم، والتحق بمدرسة كوجك آياصوفيا هناك، وصار معيدا لأستاذه ناظرزاده رمضان أفندي بعدما أكمل دراسته. واستمر بصحبة نور الدين زاده مصطفى مصلح الدين (وفاته: 981 هـ/ 1573 م) من مشايخ الخلوتية وهو طالب في المدرسة، ثم عُيّن مع أستاذه رمضان افندى في المدرسة السليمية في أدرنه في سنة 978هـ/ 1571م، وصار معيدا لأستاذه وبعد سنة عين نائبا لأستاذه الذي عين قاضيا بمصر، وانتسب الهدائي إلى كريم الدين الخلوتي من المشايخ الخلوتية الدميرداشية في مصر، وتعلم منه أصول الأسماء، وبعدما مكثا في مصر لمدة سنة أو سنتين تولى أستاذه قضاء بروسه وانتقل معه إلى بروسه، وصار الهدائي مدرسا للمدرسة الفرهادية ونائبا لمحكمة الجامع العتيق. وبذلك بدأ يوزع العدالة للخلق في دائرة الحقوق الإسلامية من ناحية، ويعلم العلوم الإسلامية الشبان المسلمين من ناحية أخرى، وكان في نفس الوقت يستمر بوعظ الشيخ محمد محي الدين أفتاده (وفاته:988 هـ/ 1580م) الذي كان أكبر المشايخ وأشهرهم في هذا الوقت.
وبعد وفاة أستاذه ناظر زاده رمضان أفندي رأى الهدائي رؤيا في منامه فانتسب إلى الشيخ المرقوم بمحي الدين أفتاده وترك منصبي القضاء والتدريس وهو يقول في القضاء والتدريس:
التدريس هو الغم والهم والبلاء
القضاء هو القضاء من جانب الحق
وأمره شيخه بأن ينفق أمواله أولا، ويترك منصب القضاء ووظيفة الدولة ثانيا، ويربي نفسه ثالثا. ورضي الهدائي كل ما أمره شيخه أفتاده فتصدق بكل ما يملك على الفقراء واستقال من المأمورية وبدأ الرياضة الشاقة ليربي نفسه، وأكمل سيره في ثلاث سنوات، وأعطاه شيخه إجازة وألبسه خرقة وأرسله إلى بلده سيوري حصار خليفة، ولم يمكث هناك إلا ستة أشهر، ورجع إلى بروسه مرة أخرى ومات شيخه آنذاك في سنة 988 هـ/  1580 م.
وغادر بروسه إلى بلاد البلقان وتراقيا وقدم إلى استانبول بعدما ساح في بلاد البلقان لمدة قصيرة، ونزل في كوجك آياصوفيا التي أكمل دراسته فيها فتمكن ومكث هناك ثماني سنوات.
وبعد هذا استوطن أسكدار وبنى مسجدا وخانقاها هناك، وعمل واعظا في المساجد الكبرى، ودرس التفسير والحديث النبوي.
أدرك محمود الهدائي عهد ثمانية سلاطين آل عثمان من سليمان بن سليم إلى مراد الرابع، واحترمه عامة السلاطين، ومراد الثالث وأحمد الأول وعثمان الثاني ومراد الرابع خاصة. وقلد مراد الرابع سيف السلطنة في مدفن خالد بن زيد أبي أيوب الأنضاري، وكان يراسل مراد الثالث وأحمد الأول، ويكاد عدد الرسائل التي كتبها إلى السلاطين يبلغ إلى أن يكون كتابا، وعلمه العميق وأخلاقه الدمثة أعجب رجال الدولة كما أعجب السلاطين.
وأول من قدر قدره هو السلطان مراد الثالث. ويروى أن السلطان أحمد الأول انتسب إليه. وكان يراسله ويناظره بالأشعار، وكان له مقام معروف بين فحول العلماء والمشايخ ولذلك كان يستطيع أن ينصح السلاطين ورجال الدولة، وكان يعلم الناس الشريعة الإسلامية في مسجده، ويقدم الحقائق الإسلامية للقلوب المتعطشة في تكيته، ويخدم بآثاره العلمية التي لا يقل عددها عن ستة وعشرين كتابا لعالم العلم، وقد حج ثلاث مرات في سنوات مختلفة، وربى كثيرا من الطلاب والمريدين في حياته وقد توفي في سنة 1038 هـ/ 1628 م. ولم يكن له من الأولاد الذكور، ولذلك استمر نسله ببناته، وأدار خلفاؤه إدارة تكيته وأوقافه الواسعة إلى يومنا هذا.وتنتقل مناقبه وكراماته بين الناس وبذلك زاد صيته يوما فيوما.
شخصيته العلمية والأدبية والصوفية
عاش الهدائي في عهد ارتقى العثمانيون إلى أقصى المراحل من الجهة السياسية والعلمية والأدبية مع هذا العصر يعتبر عصرا هادئا، ونشأ في هذا العصر العلماء الكبار مثل شيخ الإسلام أبي السعود أفندي (وفاته 982 هـ/ 1574 م) وأخترى مصطفى (وفاته 986 هـ/ 1578م)، وطاشكوبرى زاده كمال الدين أفندي (وفاته 1030 هـ/ 1621م)، والمؤرخون مثل خواجه سعد الدين أفندي(وفاته 1008 هـ/ 1599م)، وإبراهيم البيجوي (وفاته 1061هـ/ 1641م)، ومصطفى السلانيكي (وفاته 1008 هـ/ 1599م)، ونوعي زاده عطاء الله عطائي (وفاته 1044هـ/ 1634م)، وأوليا شلبي الذي قام مقام ابن بطوطة بالنسبة للأتراك.
ألف الهدائي ستة وعشرين كتابا، وهذه الكتب تدل على قدرته العلمية والأدبية، وأجاز كثيرا من الطلاب في علوم التفسير والحديث النبوي، ونظم أشعارا دينية كما ألف الكتب العلمية، وهذه الأشعار من نوع الأدب الشعبي التصوفي وهو لا يعتبر الشعر صنعة محضة بل يرى أن الشعر وسيلة للغاية، وقد تأثر في شعره من أشعار أحمد اليسوى ويونس أمره، وقد يترك القافية لأجل المعنى، ولكن لا يترك المعنى لأجل القافية، ومع هذا قد كتب معظم أشعاره على أوزان العروض وقد نجح في هذا المجال، ويبدو في أشعاره تأثير يونس أمره عليه، وقد امتنع مع هذا عن الكلام في وحدة الوجود خوفا من أن يخوض في الكفر وتنزلق قدماه.
كان عزيز محمود الهدائي صوفيا قبل كل شيء، وقد ترك القضاء الذي يمتلئ بالمحاسبات النفسية والمراقبات الوجدانية وانتسب إلى شيخه أفتاده واطمأن قلبه وارتقى إلى الكمال الروحي والفكري وأنزل الله عليه سكينته وصار مرشدا للخلق في سبيل الله.
مؤلفاته العلمية
ألف عزيز محمود الهدائي ستة وعشرين كتابا وقد كتب معظم هذه الكتب باللغة العربية مع أن لغة أمه كانت اللغة التركية، وقد استخدمت اللغات الثلاث في عهد العثمانيين: أولا اللغة العربية التي كانت لغة العلم، وثانيا: اللغة الفارسية التي كانت لغة الأدب والشعر، وثالثا: اللغة التركية لغة الدولة الرسمية، وكان معظم المثقفين يعرفون هذه اللغات الثلاث.
أ‌- مؤلفاته العربية
1- جامع الفضائل وقامع الرذائل: هذا متعلق بالأخلاق الصوفية وأشهر كتب الهدائي. ويوجد مخطوطا في المكتبات في تركيا وله نسخ كثيرة وفيه ثلاثة أبواب:
الباب الأول: في أحوال العامة وفضائل المسلمين.
الباب الثاني: في أخلاق النفس اللئيمة وطرق إصلاحها.
الباب الثالث: في المعرفة الإلهية وطرق السلوك للتوحيد وتأثير ذكر التوحيد في القلب، وأقدم النسخ لهذا الكتاب في مكتبة كوبريلى في استانبول، برقم 3/1853.
2- نفائس المجالس: هو التفسير الصوفي للآيات القرآنية، وتفسير الآيات القرآنية المنتخبة، وهذا الكتاب ثلاثة مجلدات، وله مقام معين بين التفاسير الصوفية، واستفاد إسماعيل حقي البروسوي كثيرا من هذا التفسير حين كتب تفسيره روح البيان، وأقدم النسخ لهذا الكتاب في مكتبة شهيد على باشا بالسليمانية في استانبول، برقم 172-174.
3- الواقعات: أو كلمات علية عن التبر المسكوك جارية بين حضرة الشيخ وبين هذا الفقير في أثناء السلوك، يتكلم هذا الكتاب عن المكالمات والواقعات التي تقع بين الهدائي وشيخه في أثناء السلوك، وهو يضئ تاريخ عصره من ناحية، ويوضح بعض اصطلاحات الصوفية من ناحية أخرى. النسخة التي كتبت بيد المؤلف في مكتبة الحاج سليم أغا في كتب الهدائي، برقم 250.
4- حياة الأرواح ونجاة الأشباح: يتكون هذا الكتاب من قسمين: القسم الأول في الموت الاضطراري والاستعداد إليه، والنهي عن تمني الموت، والفتن عند الموت، وأحوال السعداء والأشقياء، وكيفية الحشر وشفاعة النبي  ورؤية الله في الآخرة. والقسم الثاني في الموت الاختياري والحشر المعنوي والتذكر والورع والمراقبة والصدق وما أشبه ذلك.
5- خلاصة الأخبار في أحوال النبي المختار: وله خمسة أبواب: الباب الأول في خلق العالم، والباب الثاني في خلق آدم، والباب الثالث في مولد النبي- صلى الله عليه وسلم- وأحواله، والباب الرابع في العلم والمعرفة، والباب الخامس في التسبيح والدعاء والذكر والتوحيد.
6- أحوال النبي المختار-عليه صلوات الملك الجبار: له أربعة أبواب: الباب الأول في النشأة الروحانية، والباب الثاني في النشأة العنصرية، والباب الثالث في المعراج، والباب الرابع في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
7- مفتاح الصلاة ومرقاة النجاة: وله ثلاثة أبواب: الباب الأول في كيفية أداء الصلاة وأسرارها وآدابها، والباب الثاني في فضائل الصلاة، والباب الثالث في صلاة الجمعة وفضائلها.
8- حبة المحبة: يتكلم المؤلف فيه عن محبة الله ومحبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومحبة قرابة النبي صلى الله عليه وسلم.
9- الفتح الإلهي: هي رسالة صغيرة في خلقة الإنسان في أحسن تقويم.
10- فتح الباب ورفع الحجاب
11- شمائل النبوة الأحمدية
12- الطريقة المحمدية والوسيلة إلى السعادة السرمدية
13- كشف القناع عن وجه السماع
14- المجالس الوعظية
15- مجموعة خطب
16- الأسئلة والأجوبة في أحوال الموتى
17- تجليات الهدائي
18- مراتب السلوك
19- حاشية قوهستاني في شرح فقه كيداني
ب‌-  مؤلفاته التركية
1- ديوان:  ملآن بنصائح وحكم صوفية، وكونه ملآن بالحكم يتداعى ديوان أحمد اليسوى، وأسلوب تعبيره يتداعى ديوان يونس أمره، وهذا الديوان يعد من أقيم محصولات الأدب الشعبي التركي الصوفي مع أنه ليس بقوي ولا وجدي مثل ديوان يونس أمره، وفي ديوان الهدائي 255 شعرا بأسلوب المناجاة، وأيضا توجد في الديوان “رباعيات” و “مصراعات”. طبع هذا الديوان أربع مرات؛ اثنتان منها بالأحرف العثمانية، واثنتان بالأحرف التركية الجديدة.
2- أجوبهء متصوفانه
3- معراجية
4- نصايح ومواعظ
5- نجاة الغريق في الجمع والتفريق
6- طريقتنامه
7- تذاكر أو مكتوبات الهدائي

القسم الثاني: طريقته الجلوتية
الجلوة في اللغة
الجلوة في مصطلح التصوف هي خروج العبد من الخلوة إلى الجلوة متصفا بالصفات الربانية امتثالا لقول الحق سبحانه وتعالى: “كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ.”
ورغم أن الخلوة والجلوة مصطلحان صوفيان إلا أنهما صارا  اسما للطريقة.
الطريقة الجلوتية كانت أنشط الطرق في تركيا وبلاد البلقان مثلها في ذلك مثل النقشبندية والمولوية والخلوتية والبرامية. ومؤسس الطريقة الجلوتية هو الشيخ عزيز محمود الهدائي. وتبدأ سلسلة شيوخ هذه الطريقة بالنبي عليه الصلاة والسلام، وتنتهي بمؤسسها وهم كالتالي:
1- سيدنا ونبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) (وفاته: 11 هـ/ 632 م)
2- سيدنا علي (كرم الله وجهه) (وفاته: 48 هـ/ 688م)
3- حسن البصري (قدس الله سره) (وفاته: 110 هـ/ 728 م)
4- حبيب الأعجمي (قدس الله سره) (وفاته: 150 هـ/ 767م)
5- داوود الطائي (قدس الله سره) (وفاته: 184 هـ/ 800م)
6- معروف الكرخي (قدس الله سره) (وفاته: 200 هـ/ 815 م)
7- السري السقطي (قدس الله سره) (وفاته: 253 هـ/ 867 م)
8- أبو القاسم الجنيد البغدادي (قدس الله سره) (وفاته: 297 هـ/ 909 م)
9- ممشاد الدينوري (قدس الله سره) (وفاته: 299 هـ/ 912 م)
10- محمد الدينوري (قدس الله سره) (وفاته: 367 هـ/ 977 م)
11- محمد البكري (قدس الله سره) (وفاته: 400 هـ/ 1009 م)
12- القاضي وجيه الدين أو وحي الدين (قدس الله سره) (وفاته: 452 هـ/1060م)
13- عمر البكري (قدس الله سره) (وفاته: 486 هـ/ 1094 م)
14- أبو النجيب ضياء الدين السهروردي (قدس الله سره) (وفاته:563 هـ/1167م)
15- قطب الدين الأبهري (قدس الله سره) (وفاته: 623 هـ/ 1094 م)
16- شهاب الدين التبريزي (قدس الله سره) (وفاته: 638 هـ/ 1240 م)
17- جمال الدين التبريزي الأزهري (قدس الله سره) (وفاته: 672 هـ/ 1273 م)
18- إبراهيم زاهد الكيلاني (قدس الله سره) (وفاته: 700 هـ/ 1300 م)
19- صفي الدين الأردبيلي (قدس الله سره) (وفاته: 735 هـ/ 1334 م)
20- صدر الدين الأردبيلي (قدس الله سره) (وفاته: 794 هـ/ 1392 م)
21- علاء الدين على الأردبيلي (قدس الله سره) (وفاته: 833 هـ/ 1429 م)
22- حميد الدين الأقسرايي (قدس الله سره) (وفاته: 815 هـ/ 1412 م)
23- الحاج بيرام ولي (قدس الله سره) (وفاته: 833 هـ/ 1429 م)
24- آق بيق مجذوب (قدس الله سره) (وفاته: 860 هـ/ 1455 م)
25- حضر دده (قدس الله سره) (وفاته: 918 هـ/ 1512 م)
26- محمد محي الدين أفتاده (قدس الله سره) (وفاته: 981 هـ/ 1580 م)
27- عزيز محمود الهدائي (قدس الله سره) (وفاته: 1038 هـ/ 1628 م)
والطريقة الجلوتية قريبة من الخلوتية والبيرامية والملامية من جهة السلسلة، وكان أبو عبيد الله سراج الدين عمر بن أكمل الدين المدني مؤسس الطريقة الخلوتية، من خلفاء الشيخ إبراهيم زاهد الكيلاني. وكذلك كان الحاج بيرام ولي مؤسس الطريقة البيرامية من نفس هذه السلسلة. وكان الشيخ آق شمس الدين خليفة بيرام ولي، ومرشدا ومربيا للسلطان محمد الفاتح. وكان دده عمر السكيني من خلفاء الحاج بيرام ولي أيضا.
الإنسان هو زبدة العالم الذي تجلى الله عليه بصفاته الجمالية والجلالية، والروح في الإنسان هو تجل من صفات الحق الجمالية، والنفس هي تجل من صفات الحق الجلالية، والروح والنفس كسلطانين يحاولان السيطرة على جسد الإنسان. وإن غرض الطرق الصوفية أن تصير الروح ملِكاً على أفعال الإنسان وتغدو النفس أسيرة للروح. وهناك أصول وآداب في الطرق الصوفية للوصول إلى هذا الغرض كالطرق الروحانية والطرق النفسانية.
1- الطرق الروحانية: السالك في هذه الطرق يعمل على تصفية القلب حتى تتخلص الروح من ماديتها كما يقول عز من قائل: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي.”   ومنهاج هذه الطرق يقوم على تغذية الروح بالنوافل والذكر والرابطة والتسليم وما أشبه ذلك من أنواع الصلوات الروحية. ولا يوجد في الطرق الروحانية ما يسمى “بالأربعين”  بل بديلا عنها النوافل التي تصفى الروح حتى تبلغ الوعد الحق. وبذالك تدخل النفس تحت إمرة الروح ويسير السالك في الطرق الروحانية في هذه المراتب: الروح والقلب والسر والخفي والأخفى من القربات التي توصل إلى المقامات السنية ولطائف النفس ولطائف سائر أجهزة الإنسان. والطرق الروحانية تعتبر الذكر الخفي أساسا، وسلسلة هذه الطرق إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) بواسطة سيدنا أبي بكر (رضي الله عنه) كالنقشبندية .
2- الطرق النفسانية: هي الطرق التي تتناول المجاهدة بأغراض النفس الأمارة أساسا وتكون للنفس سبعة حجب أساسية ويتم تربية النفس بسبعة أسماء من أسماء الله الحسنى، وتدرب على معانيها. وهى تعتبر الذكر الجلي فيها وسلسلة هذه الطرق تنتهي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن طريق سيدنا على كرم الله وجهه. والطريقة الجلوتية بين الطريقتين النفسانية والروحانية.
يمكننا أن نلخص هذه الأسماء والمراتب والمقامات في هذا الجدول:
صفات النفس: أمارة لوامة ملهمة مطمئنة راضية مرضية كاملة
أنواع السير: إلى الله على الله بالله عن الله في الله مع الله لله
العوالم: الشهادة المثال الأرواح الجبروت اللاهوت الناسوت الحقيقة
الأحوال: الذوق الشوق العشق الوصل الحيرة الفناء في الفناء البقاء بالبقاء
المحلات: الصدر القلب الروح السر سر السر الخفي الأخفى
الواردات: الشريعة الطريقة الحقيقة المعرفة الولاية الصديقية القربة
الشهود: توحيد الأفعال توحيد الصفات توحيد الذات الجمع جمع الجمع حضرة الجمع  أحدية الجمع
الأسماء: لا إله إلا الله الله هو الحق الحي القيوم القهار
الأنوار: الأزرق الأصفر الأحمر الأسود الأخضر الأبيض بلا لون
مبادئ السلوك في الجلوتية
1 – الاشتغال بالذكر
الذكر هو أساس الأمر وعموده في الطرق كلها لأن الذكر خروج المرء من ميدان تحدث فيه الغفلة من كثرة محبة الدنيا وخوفها إلى فضاء المشاهدة .ومؤسس الطريق عزيز محمود الهدائى قد أشار كثيرا إلى أهمية الذكر وفوائده في كتبه وأشعاره. وأوضح أن الذكر هو غذاء الروح وهو يقول : التوحيد هو الترياق الأكبر فى ثعبان نفس والطريق الأسلم إلى مقام الأنس. والذكر الذي لقنه المرشد الكامل الذي تتصل سلسلته بالنبي (صلى الله عليه وسلم) لاشك أنه أقصر الطرق إلى الله.
فالذكر عند الصوفية سيف المريد يقطع به النفس والشيطان. المراد بالذكر ليس باللسان فقط، وإنما اشتراك البدن كله في الذكر وأن يكون القلب مستيقظا.
وكما يقول صاحب الطريقة: فإن الذكر عند الجلوتية هو السلوك بالتوجه. ويُلقَّن المريد الجلوتي على الدوام ذكر التوحيد بعد انتسابه؛ لأن تأثير ذكر التوحيد لا يزال، وإن زال تأثير ذكر الأسماء. على سبيل المثال: اسم الكريم من الأسماء الحسنى مع أنه يطلق على الآخرين، ولكن التوحيد لا يطلق على الآخرين. ولذلك التوحيد أكثر تأثيرا من باقي الأسماء.
ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد وقت معين لذكر التوحيد في الجلوتية لأن المراد به الانشغال بلا انقطاع. وتحرك الرأس يمينا عند ذكر كلمة “لا” وتحرك شمالا عند “إلا” أثناء الذكر، لأن القلب في الجهة اليسرى. وكون ذكر التوحيد للمبتدئين جهريا أكثر فائدة لدفع الخواطر. وإذا ارتفعت المراتب يكون الذكر خفيا، ويجب على السالك أن يطرد هواه وما سوى الله عن قلبه في أثناء الذكر حتى يمتلأ القلب محبة وقربا. وقد يكون الذكر في الجلوتية بالأسماء مع أن فيها ذكر التوحيد أصلا، والأسماء الحسنى في الجلوتية هي بعد التوحيد: الله، هو، حق، حي، قيوم، قهار.
2- المجاهدة الصورية
فالمجاهدة الصورية هي تحلي الطبيعة والنفس بالرياضة والأعمال الشاقة.
3- والمجاهدة المعنوية
وأما المجاهدة المعنوية فهي تحلي الروح والسر بالذكر والفكر وأداء الوظائف المعنوية.
وإذا حقق العبد المجاهدة المعنوية بأداء هذه الأعمال المعنوية وصل إلى مقام المشاهدة. ولا شك أن أذواق سالكي الطريقة الجلوتية في أداء الأعمال التي تشق على النفس وتؤلمها لأن السلوك في الجلوتية لا يكون إلا بالمجاهدة.
وطريق الحق طريق المجاهدة والمضايقة. والرياضة هي أكثر الأسلحة تأثيرا في تهذيب النفس. ولا تكون مخالفة النفس إلا بقلة الطعام وقلة المنام وقلة الكلام والعزلة عن الأنام والذكر  المستدام.
وسر المعرفة رياضة. وفائدة هذه الرياضة تحسين الخلق واستعداد القلب للمعرفة بعد تصفيته. ويأتي تأثير من جانب الحق إلى بدن السالك فينصلح جسده ونفسه وروحه وسره ويكتسب وجودا معنويا يليق بالوصلة الإلهية.
الشيخ والانتساب إليه في الجلوتية
والجلوتية مثلها مثل بقية الطرق لا يصلح السلوك فيها إلا بشيخ. لأن الشيخ قدوة وأسوة حسنة للمريدين. ويجب على الشيخ الجلوتي أن يتصف بالخصال الآتية:
1- أن يكون عالما قادرا على الإجابة على أسئلة مريديه دنيويا وأخرويا.
2- أن يخلص قلبه من حب الدنيا وهوى النفس حتى يصبح قادرا على إخراجها من قلوب مريديه.
3- ألا يٌتَّهَمَ بين الناس بالطمع. وأن يكسب ودَّهم واحترامَهم. وألا يحسد غيره على خير أعطاه الله إياه من فضله.
4- وأن يكون متمسكا بشريعة الله في كل قول وفعل.
5- وأن يكون من ضمن سلسلة تنتهي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)
ومن ليس فيه هذه الصفات لا يمكن أن يكون شيخا. لأن المشيخة في الجلوتية ليست أمراً حَسَبيّا أو نَسَبيّا بل إنها أمر اكتسابي. والمشيخة لا تُورَّثُ لأحد ما لم يكتسب هذه الخصال.
وعملية الانتساب في الجلوتية تكون على هذا النحو:
الطالب الذي يريد العهد والتلقين والانتساب والبيعة من الشيخ على آداب الطريقة يستشير ويستخير ويتوضأ وبعد ذلك يجلس أمام الشيخ قعدة التشهد، ويضع يديه على رجليه ويقول مع الشيخ: “استغفر الله العظيم من كل ذنب قولا وفعلا وعملا واعتقادا” ثلاث مرات. ويستغفر مع شيخه مرة أخرى بهذه الألفاظ.
وهكذا يأخذ المريد على نفسه عهدا أمام ربه وشيخه بأن يترك كل معصية صغيرة كانت أو كبيرة، ثم ويوصي الشيخ المريد بما يلي:
1- أن يقول “استغفر الله العظيم” مائة مرة كل يوم. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أستغفر الله كل يوم سبعين مرة أو مائة مرة.
2- وأن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة كل يوم: “اللهم صل على محمد وآله وصحبه وسلم”.
3- وأن يقول “لا إله إلا الله” سبعمائة مرة كل يوم وأن يقول “مُحمَّد رَسُولُ الله” بعد كل عشرين أو ثلاثين مرة.
4- وأن يقوم بالذكر والفكر بعد صلاة الفجر إلى وقت الإشراق. وبعد هذا يصلي صلاة الإشراق أربع أو ست ركعات. وأن يقرأ في الركعة الأولى سورة الشمس، وفي الركعة الثانية سورة الليل، وفي الركعة الثالثة سورة الضحى، وفي الركعة الرابعة سورة الانشراح.
5- ويصلي صلاة الضحى في وقت الضحى ركعتين أو أربع ركعات.
6- ويصلي صلاة الأوابين بعد سنة المغرب ست ركعات.
7- ويصلي صلاة التهجد في ثلث الليل الأخير ركعتين إلى اثنتي عشرة ركعة.
8- وأن يصوم أيام الاثنين والخميس والعشرة الأولى من ذي الحجة والمحرم وكل شهر رجب وشعبان وستا من شوال.
9- وأن يكون طاهرا على الدوام.
10- وأن يصلي سنة الوضوء بعد الوضوء.
11- وأن يقرأ حزب الهدائي بعد صلاة الفجر. وهذا هو حزب الهدائي والجلوتي:
اَوْرَادُ حَضْرَتِ الهُدائي قُدِّسَ سِرُّهُ
بِسْمِ اللهِ الرّحْمنِ الرَّحِيمِ
اَسْتَغْفِرُ اللهَ، اَسْتَغْفِرُ اللهَ، اَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ جَمِيعِ مَا كَرِهَ اللهُ، وَ اَتُوبُ اِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَا يُخَالِفُ رِضَاءَ اللهِ، اَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَاَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَ اَعُوذُ بِكَ رَبَّ أَنْ يَحْضُرُونِ، وَ اَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِى وَ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ اَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا اِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا، رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ، وَاعْفُ عَنَّا، وَاغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا، أَنتَ مَوْلاَنَا، فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ، سُبْحَانَ اللهِ والْحَمْدُ ِللهِ وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَاللهُ اَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ، اَللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا اَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، اَللَّهُمَّ حَسِّنْ خَلْقَنَا وَ خُلُقَنَا وَتَمِّمْ بِالْخَيْرِ قُصُورَنَا، وَاَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاجْعَلْنَا مِنَ الْمُخْلِصيِنَ الْمُخْلَصيِنَ، لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْئٍ قَدِيرٌ، اَلْحَمْدُ ِللهِ، سُبْحَانَ اللهِ، وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَاللهُ اَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ، اَللَّهُمَّ اِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنَسْئَلُكَ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ وَالْهِدَايَةَ اِلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ، اَللَّهُمَّ اِنَّا نَسْئَلُكَ الْخَنَّةَ والرِّضْوَانَ وَ اَنْ تَجْعَلَنَا مِنْ اَهْلِ التَّوْحِيدِ واْلإيقَانِ وَالعِرْفَانِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَ عَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ اَجْمَعِينَ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى خَلِيلِكَ اِبْرَاهِيمَ وَ عَلَى سَائِرِ اْلاَنْبِيَاءِ وَ الْمُرْسَلِينَ، وَاحْشُرْنَا مَعَهُمْ بِفَضْلِكَ وَ رَحْمَتِكَ يَا اَرحَمَ الرَّاحِمِينَ، اَللَّهُمَّ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ، آمِين.ٍ
مراتب السلوك في الجلوتية
مراتب السلوك في الجلوتية أربع: الطبيعة، والنفس، والروح، والسر. وهناك أربعة مقامات تقابل هذه المراتب هي: الشريعة، والطريقة، والمعرفة، والحقيقة.
1- مرتبة الطبيعة
مقتضى الطبيعة هو الأكل والشرب والنوم والمجامعة. ويمكن تربية الطبيعة بالشريعة. وهي مرتبة المبتدئين. وفساد الطبيعة هو شهوة البطن والفرج .وتؤثر هذه الشهوة على اللسان واليد والعين والرجل والأذن والقلب وقوة الخيال وما أشبه ذلك من الأعضاء الظاهرة والباطنة. وتبعدها عن العبودية لله. ويربي المريد مرتبة الطبيعة -التي هي أصعب المراتب للمريد- بالرياضة المعتدلة، ويجب عليه حينئذ أن يتجنب الإفراط في الرياضة، ولكن لا يمكن الإصلاح ما دامت النفس تنال كل ما أرادته، ويوازن السالك أمور الأكل والشرب والفرج بالشريعة ويترك ما لا يوافق الشريعة ويستفيد مما يوافقها على قدر الاعتدال. ويقتنع بما حضر من الأكل والشرب ويكتفي بالقدر الذي يسد رمقه ولا يفتر عزيمته فلا يزيد منه على حد الضرورة، وبذلك يمنع شهوات الطبيعة، ويسعى إلى التحكم فيها. وإذا زال فساد الطبيعة وخلصت الأعضاء الظاهرة والباطنة كلها من الظلمة ينفتح طريق النجاة من الأخلاق المذمومة وبذلك يرتفع السالك إلى مرتبة النفس ويتجه إلى ما يتعلق بالربوبية.
2- مرتبة النفس
النفس هي السر الذي أودع قالب البدن وهي محل الصفات السيئة، ومقتضاها هو الأخلاق الذميمة، والأخلاق المذمومة هي المرض المعنوي الذي يؤثر على الأعضاء الباطنة، والقوى المعنوية فيفسدها. ويمكن إصلاح الأخلاق الذميمة بالطريقة وإصلاحها أكثر أهمية من الكشف والكرامة وإظهار الخوارق. وقد ينشغل السالك بالكشف والكرامة فيبتعد عن الله الذي هو المطلوب الحقيقي. وعندما يتخلص السالك من فساد طبيعته يبدأ في مجاهدة نفسه بمصداق هذه الآية: “وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ”
ومجاهدة النفس هي الجهاد الأكبر. ومؤسس الطريقة الجلوتية الهدائي يقول: إذا صلحت النفس تتغير أخلاقها الذميمة كالكبر والرياء والعجب وحب المراكز والحظوة لدى أصحاب السلطة والجاه  وما أشبه ذلك، إلى الأخلاق المحمودة، والنفس مركز الصفات السيئة والأخلاق المذمومة.
والصفات السيئة نوعان:
أولهما: الذنوب التي ارتكبها العبد بإرادته.
والثاني: الأخلاق الذميمة.
ويمكننا أن نصلح الأخلاق الذميمة التي نولد بها بالمجاهدة المستمرة. ويمكن إصلاح الأعمال السيئة التي ارتكبها العبد بإرادته. فإذا انصلحت الطبيعة والنفس يبلغ السالك الروح والسر لأن إصلاح الروح والنفس هبة من الله.
3- مرتبة الروح
الروح هو السر الذي نفخه الحق جل وعلا في بدن آدم. والسالك الذي نجا من الأخلاق الذميمة التي قبل فساد النفس هو الذي يصل إلى الأخلاق المحمودة بتوجهه إلى معرفة الله. وإذا أصلح السالك روحه بالمعرفة يحل فيه العشق الإلهي ويقع الكشف في هذه المرتبة ولا يوجد أثر الكشف في الطبيعة والنفس.
4- مرتبة السِّر
السر هو اللطيفة في البدن الإنساني ومحل السير والمشاهدة الإلهية. وإذا اكتسب السالك معرفة الله والعشق الإلهي في مرتبة الروح ارتفع إلى مرتبة السر. ومقتضى السر قطع العلاقة عما سواه وترك صحبة غير الله. وهنا مقام المحو والفناء، والتجلي والوصلة. وهذا السالك يتذوق لذة مجاهداته رغم ما يعانيه من المشقات بعد اكتماله في هذه المرتبة. وقد عبر شيخ الطريقة الجلوتية عن كل واحدة من هذه المراتب برموز؛ اللون في الطبيعة أسود هذا ويعتبر ترابا؛ واللون في النفس أحمر ويمثل الهواء؛ واللون في الروح أصفر ويمثل النار؛ واللون في السر لون البلغم ويمثل الماء. وبها تكتمل العناصر الأربعة.
وعندما يقطع السالك مراتب الطبيعة والنفس والروح والسر يفنى وجوده حيث يتحقق في ذلك قول الله سبحانه وتعالى: “كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ”
هذا فناء بالمجاهدات لكل ما سوى الواجب في كيان العبد، ويبقى وجود الواجب وهو الحق سبحانه وتعالى. تضمحل الممكنات والنفس في نظره. وهذا هو معنى وحدة الوجود. وبعدما يكمل السالك سيره على الآداب الجلوتية يصل  إلى سر الخلقة، ويكتسب  أهلية إرشاد الخلق ويصير قدوة وأسوة حسنة للناس. ويُعيّنه شيخه خليفة ويتلقى أمر الخلافة من الحق ويعطيها بأمره.
القيام النصفي والذكر الجلوتي (الآيين)
وكما هو معلوم فإن الذكر في التكايا والزوايا يسمى في مصطلح التصوف التركي “آيينا” وطقوس. وتختلف أسماء وإجراء الذكر في الطرق الصوفية؛ وسمي الذكر في المولوية “سماعا” وفي القادرية “دورانا” وفي الرفاعية “قياما” وفي النقشبندية “ختم خوجكانا” وفي الخلوتية “ضرب أسماء” وفي الجلوتية “قياما نصفيا”.
فما هو إذا القيام النصفي؟ هو الذكر الذي يجري والذاكرون قائمون على الُّركب. ويسمى هذا أيضا بقيام الخضر. ويروى أنه حينما دخل الخضر عليه السلام على صاحب الطريقة الهدائي وهو يذكر في تكيته مع مريديه أراد الهدائي أن يقوم احتراما له، فلم يسمح له بالقيام وأشار إليه بالاستمرار في ذكره، فظل حضرة الهدائي على ركبتيه، ولهذا سُمّي هذا الذكر القيام النصفي وقيام الخضر. وكان يجري هذا الذكر في مركز الطريقة في استانبول بعد صلاة الجمعة على هذا النحو:
بعد أداء صلاة الجمعة يعمل الدراويش ومشايخ التكية ومن أراد حلقة في وسط المسجد ويجلس القراء والذاكرون في حلقة صغيرة داخل الحلقة الكبيرة فيبدأ رئيس الذاكرين التوحيد والتهليل “لا إله إلا الله” بإيقاع البطن قبل خروج الشيخ من المكان الذي فيه أقام الصلاة، ثم يتلى التوحيد والتهليل اثنتي عشرة مرة باشتراك الحاضرين، وبعد هذا يقول رئيس الذاكرين “يا الله هو” فيقام للقيام النصفي ويقرأ الذاكرون مناجاة من مناجاة الهدائي. وإذا انتهت المناجاة يقول رئيس الذاكرين “يا الله هو” وينهض ويبدأ في ذكره “هو” ويستمر هكذا لفترة قصيرة ويعقبه ذكر اسم الجلالة ويستمر هذا الذكر بعض الوقت.
وقبل انتهاء المناجاة الإلهية يحل الشيخ محله ويخرج من مكانه وفي نهاية المناجاة الإلهية تقرأ “دوراق” (إنشاد ديني يتعلق بالمقام) فيُصغي الجميع إليها. وعندما تنتهي الوقفة يدخل حضرة الشيخ إلى القسم الثاني للذكر قائلا: “يا الله هو”، وهذا يعد استفتاح لحلقة الذكر.
الآيين الأصلي يبدأ بمقدم الشيخ، ويأخذ صوت اسم الضمير “هو” في التزايد بمقدم الشيخ. فيأخذ المريدون في تحريك رؤوسهم يمنة ويسارا مع كلمة “هو”. وفي هذه الأثناء يأخذ الشيخ في ترديد ضمير اسم الجلالة “الله” ثلاث مرات مغيرا من صوته.
وتستمر المناجاة أيضا بعض الوقت على حسب توازن الذكر وعندما تنتهي يعطي “رئيس الذاكرين” أحد الذاكرين” تقسيمة” وهو أيضا كان يقرا مناجاة أخرى بنفسه وهو يقسم، وعندما ينتهي منها يبدأ غيره. وبعد إعادة التقسيمات على حسب  الحال من قبل الذاكرين أو القراء الضيوف الذين جاءوا من تكايا أخرى يقترب ذكر “هو” من نهايته.
وبعد أن يستمر القسم الثاني للذكر الذي بدأ بالشيخ نصف ساعة وأربعين دقيقة يقطع الشيخ الذكر بذكر “هو” عال مديد. وبعد هذا الذكر يجلسون فيقرأ الذاكرون المناجاة التي يشترك فيها كل الحاضرين بمقام “آغير عشاق” وبعد انتهاء هذه المناجاة يدعو الشيخ دعاء قصيرا ويقرأ “الفاتحة” ثم يترك الدعاء لبعض خلفائه أو المشايخ الكبار من الضيوف ويدخل هو مكانه. وفي هذه الأوقات لا يقرأ الداعي “الفاتحة” ويقرأ “تقبل منا” بصوت عال، ويشاركه الحاضرون بقولهم “يا الله” وأيديهم على صدورهم خارين على الأرض مقبليها ثم ينهضون فيخرجون.
التاج الجلوتي
كان لكل طريقة تاج وكسوة في عهد العثمانيين في تركيا. وكانت تعرف طريقة المريد بشكل تاجه. وكان للتاج الجلوتي ثلاث عشرة شارة. ولونه أخضر وفي قمته زرّ من نفس اللون، وتلف عليه عمامة يختلف شكلها بحسب أقدمية المريد.
انتشار الجلوتية
وكانت تكية الجلوتية تمتلئ بمختلف الناس في عهد عزيز محمود الهدائي ويأتيها  رجال  من كل طبقات الدولة الرسميين أو عامة الناس ويجلسون مع المريدين ويشتركون معهم في ذكرهم. وانتشرت الطريقة الجلوتية في استانبول وإزمير وباليكسير وغرب ووسط الأناضول وبلاد البلقان في حياة زعيمها وبعد وفاته. واستمر نفوذ الطريقة على الدوام في بروسه التي كانت المركز الثاني لهذه الطريقة. وصاحب تفسير روح البيان إسماعيل حقي البرسوي كان من أجل علماء الطريقة الجلوتية.
فروع الجلوتية
والجلوتية أربعة فروع: السلامية والحقية والفنائية والهاشمية. وكان لها في استانبول ثلاثون تكية حين ألغيت التكايا والزوايا في سنة 1925. وإن دلّ هذا على شيء دلّ على شهرة واتساع هذه الطريقة آنذاك.